احفظ لسانك أيها الإنسان
- الأمر بحفظ اللسان في السنة والقرءان
- خطورة الكلمة
- صور من آفات الكلام
1- الكذب
2- الغيبة والنميمة
3- شهادة الزور
4- السخرية من الدين وأهله
5- السب واللعن
6- الافتخار والمن
7- التكلم في ما لا يعنيك
- ثمرة حفظ اللسان
الحمد لله الكريم المنان الرحيم الرحمن الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وأمره بجملة أمور منها حفظ اللسان ونهاه عن أخرى كإتباع الشيطان وجعل سبيل الجنان الأخذ بمنهج السنة والقرآن ، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له إله حكيم عليم عظيم الشان وأصلي وأسلم على رسوله المبعوث رحمة للأنس و الجآن وعلى آله وصحبه الكرام.
احفظ لسانَك أيُّهـا الإِنســـــانُ * لا يلدغنَّك إنه ثُعبــــــــــــانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه * قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعـــانُ
الأمر بحفظ اللسان في السنة والقرآن :
-اللسان .. ذلك العضو العجيب ، صغير الحجم كبير الأثر ، عظيم المنفعة أو الضرر ، يصعد بصاحبه لنيل الرحمات أو يهوي به في الدركات ، فالسعيد من حفظ لسانه والتعيس من أطلق عنانه ، لذا أمرنا الشرع في غير ما موضع بحفظه وتعهده والحذر منه ، قال تعالى (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قـ : 18 ) فسبحان من وكٌل لكل عبد ملكين يسجلان كل ما يقول (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الإنفطار : 12-10) ثم تجد كل ذلك يا بن آدم يوم القيامة في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) (الكهف : 49 ) فيجازي الله على الصغير والكبير من القول ويعفو عن من يشاء قال تعالى ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة : 7-8 ) ، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة الذي ما ترك لنا من خير إلا دلنا عليه وما ترك من شر إلا حذرنا منه ، ولخطورة أمر اللسان وسهولة الوقوع في ذنوبه نجد أن الأحاديث النبوية تواترت في التحذير من الكلام وتفضيل السكوت إلا عن الخير حتى لا يخوض الناس فيما ينبغي ألا يخوضوه وألا ينشغلوا بما لا يعنيهم ، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْلِيَصْمُتْ " و روى الترمذي بسند حسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلتُ يا رسولَ اللّه، ما النجاة؟ قال: " أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ " وفي حديث معاذ الطويل الذي رواه الترمذي بسند حسن صحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول اللّه! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟".
خطورة الكلمة :
-ما أعظم هذا الدين وما أكمل نظامه فأي دين هذا وأي عقيدة تلك التي تحترم الكلمة وتقدرها كل هذا التقدير فبكلمة واحدة يسعد إنسان وبكلمة واحدة يشقى آخر، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ" نعوذ بالله من جهنم وحرها ونعوذ بالله من الكلمة التي تهوي بصاحبها في جهنم ، عرف الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً والتابعين والسلف خطورة هذه الكلمة لذا كانوا يطبقون عملياً توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر وروى عن كثير منهم أقوال عظيمة في تبيان خطورة اللسان ومن ذلك ما روي عن بن مسعود رضي الله لما قال " ما من شيء أحق بطول سجن من اللسان " وكان الصديق أبي بكر رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول "هذا الذي أوردني الموارد" وأما الشافعي رحمه الله فكان يقول لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها وقال الحسن قال: يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووُكِّل بك ملكان كريمان يكتبان عمَلك، فأكثر ما شئت أو أقلَّ.
صور من آفات الكلام :
-آفات اللسان إما آفة السكوت وإما آفة الكلام ، فأما آفة السكوت فتكون بالسكوت عن الحق والساكت عن الحق شيطان أخرس مداهن ، وأما آفة الكلام فصورها كثيرة ومتعددة منها:
1- الكذب : قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه "واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإِخبار عن الشيء، بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل وإنما يأثمُ في العمد، ودليلُ أصحابنا تقييد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم " مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأمَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".أ.ن .. وأعظم الكذب الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة : 10 ) والكذب من آيات المنافق روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَاوَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمن خَانَ".
2- الغيبة والنميمة : من أكثر هفوات اللسان التي يقع فيها المسلمين ولا يسلم منها إلا من رحم ربي ، الغيبة ذكر أخاك بما يكره قال تعالى ( لَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ) (الحجرات : 12 ) وروى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ؟" قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ؟ قال: "إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ،وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، والنميمة هي نقل كلام الناس بعضهم لبعض على سبيل الإفساد قال تعالى (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) (القلم : 11 ) وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن حذيفة رضي الله عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَنَمَّامٌ "...
3- شهادة الزور : كبيرة من أكبر الكبائر وواحدة من أعظم آفات اللسان كيف لا وبها تضيع الحقوق ويقع الظلم وينتفي العدل قال تعالى (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج : 30 ) وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائرِ؟ـ ثلاثاً ـ قلنا: بلى يا رسول اللّه! قال: الإِشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكان متكئاً فجلسَ فقال: ألا وَقَوْلُ الزُّور وَشَهادَةُالزُّورِ" فما زال يُكرّرها حتى قلنا: ليته سكت.
4- السخرية من الدين وأهله : فالسخرية من شعيرة واحدة من شعائر الدين هي سخرية من الدين كله والتهكم على أحد أهل الاستقامة والتدين لتدينه فهي من السخرية من أهل الدين وكلاهما لا يقع فقط من أعداء الدين وإنما أيضاً يقع من منتسبيه على سبيل المزاح والمرح فيقعون في عظيم وهم لا يدرون .. قال تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) (التوبة : 65-66 ).
5- اللعن والسب : أكثر ما يخرج من اللسان حال الغضب ، بالرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عنهما ولم يكن بأبي هو وأمي متفحشاً أو بذيئا وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن عن بن مسعود رضي الله عنه : " لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعّان وَلا الفاحِشِ وَلاالبَذيء " ، وغلظ النبي صلى الله عليه وسلم في اللعن وقال " لعن المؤمن كقتله " وذلك من الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ثابت بن الضحاك ، ويجوز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم ( اليهود والنصارى والسارق والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والمصورين والمتشبيهن من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ).
6- الافتخار والمن : يعمد بعض الناس ممن نسوا ضعفهم وذلهم لله إلى الافتخار بما أتوا ويظل الواحد منهم يكرر أنا أنا .. قال تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم : 32 ) لذا أمرنا الله تعالى بالتواضع وعدم الافتخار ..روى مسلم في صحيحه عن عن عياض بن حِمار الصحابي رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَبْغيَ أحَدٌ على أحَدٍ، وَلا يَفْخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ" وغالباً ما يكون أهل الفخر هم أهل المن على الناس لحبهم في شكر الناس لهم فيبطلوا صدقاتهم بمنهم هذا قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ).
7- التكلم في ما لا يعنيك : قال تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) وأيضاً في هذا الباب حديث طيب هو ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أما بعد: فإن من أكثر ذكرالموت، رضي من الدنيا باليسير، ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه.
ثمرة حفظ اللسان :-
سبب لدخول الجنة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".
سبب لصلاح العبد : قال يونس بن عبيد : خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما من أمره : صلاته ولسانه.
سبب للسيادة : عن يحيى القطان قال : ما ساد ابن عون الناس أن كان أتركهم للدنيا ، وإنما ساد ابن عون الناس بحفظ لسانه.
سبب للسلامة : قال بن عباس رضي الله عنه " قل خيراً تغنم وأسكن عن الشر تسلم ".
سبب للنجاة : عن عقبة بن عامر قال : قلتُ يا رسولَ اللّه، ما النجاة؟ قال: "أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ".
سبب في الحفاظ على الوقار : وقال محمد بن النضر الحارثي: كان يقال: كثرة الكلام تذهب بالوقار.
سبب في حفظ سائر الأعضاء : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتقِ اللَّهَ فِينا فإنما نَحْنُ مِنْكَ، فإنِاسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا".
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممن يحفظون ألسنتهم وأن يبلغنا أعالي الجنان إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق